Quantcast
Channel: Marefa.org blogs
Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

الكاتب الناقد السيد عبد الصمد

$
0
0

الكاتب الناقد السيد عبد الصمد 

عندما كنت فى المدرسة الثانوية كنت أكثر من سماع الإذاعات حتى خلال المذاكرة. وكان من بين هذه الإذاعات التى تشدنى إذاعة صوت أمريكا بلغتيها العربية والإنجليزية التى كانت شبه مدرسة لتعليمى كثير من الكلمات وطريقة نطقها حيث أنهم كانوا يتعمدون الحديث ببطء ووضوح لكى يفهم الأجانب مثلى.

وفى تلك الأيام كثر الحديث عن السيدألكساندر سولجينتسينالمعارض الروسى للحكم السوفيتى والذى كان أديبا وكاتبا. وكان شديد النقد للنظام السوفيتى وقد قضى جزءا طويلا من حياته فى معتقلات الجولاج أو معسكرات العمل الإجبارى فى سيبيريا أيام حكم جوزيف ستالين ولكنه صمد ولم ينجح النظام فى كسر إرادته حتى نجح فى النهاية فى منتصف السبعينات فى الخروج من الإتحاد السوفيتى بترحيله إلى ألمانيا ومنها للولايات المتحدة الأمريكية.

ألكسندر سولجنتسين

كانت تلك أول مرة أسمع فيها إسمه عندما حصل على إذن مغادرة البلاد ثم إحتفى به الغرب فترة من الزمان وما لبث أن إنزوى فى غياهب النسيان ولم يعد له ذكر. وبعد ذلك ببضع سنوات أيام حكم الرئيس كارتر عاد سولجينتسين إلى الأضواء من جديد حين أدلى بحديث أو تصريح قال فيه ما معناه أن الغرب منحل ثقافيا وأخلاقيا وأن الحياة فيه لم تعد تعجبه. وبالطبع فتصريح كهذا يقلب عليه الدنيا ولا يقعدها حتى أن إمرأة صامتة بطبعها لا تتحدث تقريبا قد خرجت عن صمتها - رغم كون زوجها هو الرئيس الأمريكى جيمى كارتر - فانتقدت روزالين كارتر هذا التصريح وقالت أن مجتمعنا ليس منحلا ولا مفككا وعلى من لا يعجبه أن يتركه، أو شىء مقارب من ذلك..

وهكذا عاش الأديب الروسى فى حالة عدم رضا طوال فترة إقامته بالغرب حتى إنهار الإتحاد السوفيتى فى عهد جورباتشيف وأعفى عنه فعاد بمجرد صدور ذلك العفو إلى بلاده ونسى كل الغرب ومغامراته.

وقد مات منذ عدة أعوام فى روسيا إذ أننى قرأت نعيا له فى صفحة الأدب فى جريدة ألمانية منذ سنوات قليلة.

وهذا الرجل المصرى عبد الصمد يذكرنى بألكساندر سولجينتسين، مع وجود فارق هام هو  أن سولجنتسين دفع ثمنا غاليا لمعارضته، إذ أن قضاء أسبوع واحد فى تلك المعسكرات اللعينة كفيل بدفع المرء إلى الإنتحار.. فقد كانت معسكرات العمل فى سيبيريا أسوأ 4996545343 مرة من جوانتانامو.

 

ويكفى أن يعرف المرء أن عدد العائدين من الأسرى الألمان من تلك المعسكرات كان حوالى 10000 جندى فقط من أصل مئات الألوف ممن أسروا فى معارك ستالينجراد وحدها. فالطعام كان قليلا وسيئا والتدفئة كانت شبه منعدمة وساعات العمل كانت طويلة للغاية والمعاملة كانت قاسية ولم تكن توجد رعاية طبية.. وقد قصصت لكم من قبل عن جد إحدى زميلاتى الذى أصيب بدودة الإنكلستوما ولم يكن هناك أى علاج أو طبيب فأشار عليه زملاؤه بأن يصنع بنفسه شرابا كحوليا ثقيل الأثر ثم يشربه بكمية كبيرة حتى تضعف مقاومة الدودة فى بطنه وتخف وطأة قبضة أسنانها على أمعائه وعندما يذهب لقضاء الحاجة يشدها بيده من مؤخرته ويخرجها من جسمه حيث أن هذا هو الطريق الوحيد المتاح.. وقد قام بتلك العملية بالفعل ونجح فى إخراجها وعاش حتى عاد مع القلة العائدة من الجنود الأسرى عام 1955 أى بعد قضاء 12 عاما فى الجحيم.

تذكرت تلك الأحداث القديمة عندما كنت أشاهد برنامج على التليفزيون الألمانى كان أحد ضيوفه هو السيد/ حامد عبد الصمد الكاتب المصرى الأصل والألمانى الجنسية الذى يعيش منذ حوالى 20 عاما فى ألمانيا. وهو قد تخصص فى العلوم السياسية ومحل تخصصه هو إظهار فاشية الدين الإسلامى ونزعته التسلطية وسوف أعود إلى هذا الشأن بعد هذا العرض التاريخى لحالات الكتاب الذين إتجهوا لمخاطبة الغرب فى محاولة للتعبير عن أفكار ممنوعة فى بلادهم.

فى كتاب زيارة جديدة للتاريخ يقص محمد حسنين هيكل عن لقائه بالرئيس السوفيتى يورى أندروبوف عندما كان رئيسا للمخابرات السوفيتية. وأظن أن تاريخ هذا اللقاء هو أيضا نفس الفترة التى بدأ فيها سولجينتسين حياة اللجوء فى الغرب، أى منتصف السبعينات من القرن الماضى.

ودار الحديث عن أندريه زاخاروف عالم الطبيعة الروسى الذى كان العقل الباحث خلف برنامج القنبلة النووية السوفيتية فى عهد الرئيس خروتشيف. وزخاروف قد قام فى زمنه بتخفيض قوة القنبلة التى فجرها الإتحاد السوفيتى على الساحل الشمالى  فى عام 1961 وتعد أقوى إنفجار نووى عرفته البشرية حتى يومنا هذا. وقد قام زخاروف بتخفيض القوة التفجيرية لهذه القنبلة إلى النصف خوفا من اثرها على الحياة والطبيعة ومع ذلك التخفيض ظلت حتى اليوم أعتى قنبلة فى التاريخ الإنسانى.

وبعد نجاح هذا التفجير تحول زاخاروف إلى رجل سلام يدعو لنزع السلاح وتصفية الترسانات النووية على جانبى الستار الحديدى وفى نفس الوقت تحول إلى معارض للنظام السوفيتى.

وفى لقاء هيكل بأندروبوف عرض هيكل لموضوع زاخاروف على ما أذكر ولموضوع المنشقين بصفة عمومية فرد عليه أندروبوف أن هؤلاء المنشقين إن لم تعجبهم حياتنا الإشتراكية فعليهم أن يغيروا من فكرهم أو أن يتركوا الإتحاد السوفيتى. ونحن لا نتمسك بأحد ليبقى هنا ضد رغبته.

وإن كان الغرب هو نموذجهم المفضل وغايتهم المنشودة فليتفضلوا بالذهاب إليه بدون عوائق من طرفنا.

وبالطبع فقد كان هذا إتجاه غير مألوف فى الفكر السياسى السوفيتى وبالفعل فقد خرج كثير من المنشقين السوفيت من الإتحاد السوفيتى فى فترة الحكم القصيرة لأندروبوف أذكر منهم شارانسكى الذى إتجه إلى إسرائيل - بحكم يهوديته – وهو من مواليد فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أي أنه كان شابا عندما خرج من الاتحاد السوفيتي في منتصف الثمانينات. 

وأظن ‏انه هو صاحب فكرة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط وليس أحدا من إدارة الرئيس جورج بوش كما شاع لفترة طويلة. وهو صاحب فكرة فرض النظم الديموقراطية علي دول الشرق الأوسط بدلا من دعم نظم قهرية حليفة للغرب. هو أحد كبار المخططين لمستقبل الشرق الأوسط الجديد

حامد عبد الصمد 

أما حامد عبد الصمدهذا فهو رجل جاء من ريف مصر وأظن أن عمل والده كان الوعظ الدينى.

 

والغرب يحسن دائما صناعة النجوم ولكنه لا يحسن الإبقاء عليها لامعة.. بل هو لا يريدها لامعة إلا بقدر محدود جدا فى الزمان. وكم من نجوم صنعهم الغرب ورفعهم إلى السماء ثم هوى بهم بعد ذلك مباشرة إلى حضيض الأرض بكل سرعة. وأكبر مثال على ذلك هى الفتاة أنستاسيا التى قيل عنها فى الثلاثينات أنها إبنة قيصر روسيا الأخير نيكولاى الثانى وأنها قد هربت من الإعدام السوفيتى وجىء بها إلى الولايات المتحدة وصنع منها نجم هائل التلألؤ ثم عندما مل القراء من سيرتها هوت بها الوسائل الإعلامية ذاتها والتى كانت تهلل لها منذ أسبوع واحد، هوت بها إلى الحاجة والفاقة والمذلة.

والفتاة الباكستانية ملالا التى تعرضت منذ عام لمحاولة قتل أثناء ذهابها للمدرسة لا أتوقع لها أنا شخصيا مصيرا مختلفا. فقد أفسدت عليها وسائل الإعلام صباها وأصبحت نجمة قبل الأوان وقد شاهدت لها عدة لقاءات تليفزيونية ولاحظت كيف أنها تستمتع بهذا الزخم الإعلامى ولكننى أعرف أنه سوف ينحسر عنها فجأة بعد أن تكون قد وصلت إلى حد الإدمان. وربما تنتحر بسبب ذلك التدليل الذى لن يستمر أكثر من ذلك.

نعود للسيد عبد الصمد بدلا من التيه بين الحوادث التاريخية..


أما عبد الصمد فقد إتخذ موقفا شبيها بمواقف الناشطات النسائيات فى سبعينات القرن العشرين فى أوروبا من اللاتى كن يحاربن من أجل إباحة الإجهاض الذى كان ممنوعا بنص المادة 218 من قانون العقوبات الألمانى مثلا أو نصوص مشابهة فى كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

فهؤلاء النساء قمن فى عام 1973 على ما أذكر باللجوء إلى طبيب نساء أو عدد من أطباء النساء بعد أن حملن وطلبن منه إجراء عملية إجهاض لهن جميعا فقام بذلك ثم أدلين بحديث جماعى لمجلة شتيرن كان هو عنوان الغلاف وقد كتب عليه "نعم، نحن أجرينا عملية الإجهاض".. مع صور ما لا يقل عن 22 سيدة هن الآن جميعا فى سن الجدات. وقد كان فى ذلك ما فيه من تحدى للنيابة العامة إذ أنه إعتراف بارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.. ولكن ما أريد الوصول إليه هو أن أصحاب هذه الدعوة ربما كن وقتها على حق أو على بعض حق، إلا أن الزمان قد عفا عليهن وأصبحت قضيتهن غير مطروحة أصلا لأن القانون قد ألغي. 

فعبد الصمد يسبح الآن على موجة محاربة وتعرية وكشف  الفكر الإسلامى الفاشى. وهذا الفكر لا شك فى أنه موجود فى الإسلام الذي نعرفه اليوم بشكل واضح المعالم فى عصرنا التعس هذا. وأنا متفق معه تماما فى ذلك. فإهدار الدم والدعوة للقتل بسبب التكفير واضطهاد النساء وسوء معاملة الأقليات واحتقار الثقافات الأخرى والبحث عن الرجل القوى هى كلها مع غيرها كثير جدا من مظاهر الروح الفاشية التى ركبت الإسلام التعس الذى أصبح اليوم هو التيار الرئيسي. ولكن هذا الفكر هو مثل أى فكر نتاج عصر وظروف معينة.

إلا أن عبد الصمد يعود بالفاشية رجوعا إلى عصر الرسول شخصيا وتصرفات الرسول شخصيا وأقوال الرسول شخصيا. وأى شخص درس شريعة أو حتى قرأ عنها سوف يكتشف لأول وهلة أن هذا المعروف اليوم من الشريعة بالضرورة مبناه أفكار وأقوال وتفسيرات نشأت جميعا فى عصور أعقبت حياة الرسول بزمن طويل.
ففكرة الحاكم مثلا لم نسمع أنها كانت موجودة فى عهد الرسول. وفقه الحكم والخلافة والإعتراض والولاية وطريقة الحكم وتطبيق القانون والمشورة وكل هذه الأمور بدىء فى بحثها عقب وفاة الرجل الذى نسب إليه تابعوه كل أفكارهم المنحرفة والطيبة على السواء، إن حديثا أو سنة أو رواية.

ومن قرأ تاريخ الإنسانية فى فترة الرسول وإلى نهاية القرن التاسع عشر لابد له لو طبق منطق السيد/ عبد الصمد أن يخرج بنتيجة واحدة هى أن كل من كان فى الحكم والمسئولية فى ذلك الزمان والمكان المتسعين جدا كان فاشيا. فمن الصين إلى روما ومن روسيا إلى غابات ساكسونيا لم يعرف التاريخ إلا مذابح يقوم بها الحكام لتوطيد حكمهم والقضاء على المعارضة أو لنشر فكرة معينة دينية أو إجتماعية بالقهر والغصب على الشعوب. فعصور الشهداء المسيحيين إستمرت 300 عام ثم عندما آمن الإمبراطور بها فعلت الدولة نفس الشىء فيمن لا يريد أن يؤمن. والمذبحة التى قام بها كارل الأعظم ل 4500 شخص من كل الأعمار ومن الجنسين فى غابة بجوار هانوفر لا تزال آثارها حتى اليوم باقية.

فهل بذلك يمكن القول بأنه هو وغيره ممن سبقوه ومن لحقوا به كانوا جميعا  فاشيين؟ وهى بالطبع نتيجة لا تتفق مع العقل ولا هى منطقية ولا تساندها وقائع التاريخ المعروف.والحقيقة أننى لا أنتقد السيد عبد الصمد بسبب أننى مؤمن أن الرسول شخصية مقدسة حيث ليس لأحد قداسة فى نظرى فى الدين الإسلامى.

ولا لأننى أعتقد أنه معصوم إذ أنه لم يكن معصوما إلا فى مجال رواية القرآن فقط، وتاريخه يشهد بأنه لم يكن معصوما بل وجاءه عتاب إلهى فى القرآن نفسه.

ولكننى أنتقد عبد الصمد لأن الرسول كان بمقاييس العصر الذى عاش فيه أبعد ما يمكن عن الفاشية. 

أعترض على ما قال به لأنه يتناقض مع العدالة الواجب الحفاظ عليها فى الحديث عن أشخاص تاريخية لا تملك الدفاع عن نفسها بسبب الموت.

فعلى سبيل المثال يروى عبد الصمد أن الرسول يوم فتح مكة حين قال لخصومه عقب الهزيمة ما تظنون أنى فاعل بكم؟ فردوا عليه أخ كريم وابن أخ كريم.. وهنا  جاء رده الذى سجله الزمان بعبارة إذهبوا فأنتم الطلقاء.. ولكن هذه الرواية قد قرأها عبد الصمد بطريق مخالف للطريق المباشرالقصير،  إذ أنه يقول أن الرسول عندما قال إذهبوا فأنتم الطلقاء كان يقصد هذا ولكن بشروطى وعلى اساس الدخول فى الدين كرها !!!

 

ولست أدرى من أين أتى السيد عبد الصمد بهذا التفسير الغريب فى بابه وما هو دافعه لتغيير مسار الأحداث؟؟ 

أن لفظ الطلقاء نفسه لا يمكن تفسيره لغويا إلا بافتراض الحرية الكاملة "المطلقة" وإلا لما كان هذا اللفظ مستعملا إستعمالا صحيحا.

ولم يأت فى ذكر حوادث هذا اليوم أن هؤلاء المنهزمين قد أسلموا أو نطقوا بالشهادة أو أعلنوا دخولهم الدين ولو حتى بدفع جزية.. بل هم قالوا له أخ كريم وابن أخ كريم.. ولفظ الكريم هذا يعنى من يعفو.. والعفو هو عند المقدرة على إنزال العقوبة. ولو أنهم كانوا قد أسلموا أمامه وأبلغوه بذلك لما كان للرسول عليهم حق القتل أو إنزال أى عقوبة لأن الإسلام يجب ما قبله كما قال هو شخصيا. بمعنى أن الدخول فى الإسلام يمنحهم سجلا جنائيا جديدا نظيفا لا يحمل أية سوابق يمكن محاكمتهم عليها. أى أن الإحتمال الأكثر غلبة هو أنهم لم يسلموا فى ذلك اليوم أمام الرسول وربما يكونوا قد أسلموا بعد ذلك، وربما لا.. وهو فى الغالب لم يسألهم عن ذلك لأن الإيمان هو إعتقاد داخلى لن يمكن الكشف عنه، أيضا كما قال هو نفسه من قبل فى مناسبة مشابهة مستنكرا: أو قد شققت صدره؟

ومسيلمة الذى أطلق عليه فيما بعد الكذاب كان معاصرا للرسول عقب فتح مكة وكان فى اليمامة وأعلن عن أنه نبى وكان يقلد الرسول ولكن الرسول لم يتخذ فى شأنه أى إجراءات سواء زجرية أو عسكرية.
والرسول ملتزم بطبيعة الحال بما جاء هو به من نصوص. وأهم هذه النصوص هى 
لا إكراه فى الدين. وهذه العبارة بها تعارض صريح لا مراء فيه مع الممارسات الفاشية، لو أن الفاشية كانت قد عرفت فى ذلك الزمان المتقدم. فالإكراه هو من أساسيات الفكر الفاشى.

والسيد عبد الصمد لم أقرأ له أى كتاب ولا رأيته فى حياتى سوى مرة واحدة فى يوتيوب ولم يعجبنى كلامه لهذه الأسباب الآنف ذكرها.

والسؤال التالى هو: لماذا يفعل ذلك؟

منذ سقوط حائط برلين وانهيار الشيوعية لم يعد هناك من عدو يصلح تجسيدا للشر الذى يشحذ الغرب ضده الهمم الصناعية والمالية والثقافية والفكرية. وفى تلك الظروف الغريبة فى التاريخ كان الدين الإسلامى الذى كانت قد سبقت عسكرته للإستخدام كسلاح فى المواجهة ضد الشيوعية، وهى العسكرة التى قام بها الغرب منذ الخمسينات، كان قد تشدد وتطرف وأصبح حمل السلاح من قبل المؤمنين بهذا الدين أمرا عاديا.

وتزامن هذا الظرف التاريخى مع دخول فكر العولمة وتنازل الدولة القومية عن كثير من سلطاتها لقوى السوق العالمى مما أفقر الكثيرين فى الدول الغير صناعية والنامية. وبالتالى أصبح كثير من شباب هذه الدول يبحث عن مخرج من تلك الأزمة الإقتصادية المستمرة والتى لا تبشر الشواهد بوجود حل قريب لها. وفى نفس الوقت كان الغرب يتحول فى رؤيته للإسلام من حليف عسكرى إلى خصم مسلح يمتلىء قلبه بالحسد والغيظ والرغبة فى الإقتسام.

وهكذا منذ بداية التسعينات بدأت جوائز الأدب تنهال على كل العرب والمسلمين ممن يتخذون موقفا ناقدا أو مهاجما أو شاتما أو لاعنا للإسلام. وعرف الناس أسماء سلمان رشدى وتسليمة نسرين والمرنيسى والسعداوى وكثيرين غيرهم.

وأظن أن عبد الصمد لا يعدو أن يكون أحد هذه الشخصيات التى تتكسب من ركوب موجة الإنتقاد الجارح لدين يؤمن به على الأقل 1000 مليون شخص فى العالم.

وأنا ليس عندى إعتراض على أن ينتقد، ولكننى معترض على تبديل الحقائق وإختلاق الوقائع.

والسيد عبد الصمد يعرف أن هجومه سوف ينكسر دائما على دفاع المسلمين بأن الإسلام الحقيقى برىء من عيوب التطبيق..لهذا فهو يهاجم مصدر الإسلام نفسه مباشرة فيصوب سهامه نحو شخص الرسول.

ولكن هذا لا ينفى وجود ملامح فاشية واضحة جدا فى الإسلام الذى نعرفه اليوم فى القرن الحادى والعشرين. وأنا أعترض بشدة على كل هذه الملامح التى حولت التيار الرئيسي للإسلام إلى هذه الصورة الغير حضارية. إلا أن هذه الملامح تتناقض بصورة صارخة مع ما يروى عن سيرة الرسول وأعماله وتصرفاته، خصوصا ما كان من هذه التصرفات متعلقا بمعاملة الأقليات والمختلفين فى العقيدة.

وهذه الملامح الفاشية هى ما اضافته الضرورات السياسية عبر القرون الطويلة على هذا الدين الذى هو فى جوهره بسيط.

وعبد الصمد يعرف أنه فى حملته هذه إنما يسيرعلى نفس خط الناشطات النسائيات اللاتى فقدن الإتصال بالواقع بمرور الزمن حيث أن المجتمع بالفعل قد تغير ولم تعد مطالبهن محل جدل لأنها قد تحققت. أى أن الزمن يسير على خط ضد خط عبد الصمد. ولهذا أشتبه فى أنه قد إختلق قصة إختطافه فى مصر أيام حكم الإخوان ثم ظهوره فجأة وإنكار حدوث أذى عليه وكلها عمليات ربما يكون مصدرها البحث عن الشهرة وعدم الدخول فى عالم النسيان الذى دخل إليه قبله سولجينتسين وأنستاسيا وتسليمة نسرين وكثيرون ممن أغوتهم الدعاية الإعلامية فى الغرب.

إنه ظاهرة فقاعية غالبا سوف تختفى بعد وقت قليل ولا أظن أن كتبه ناجحة إلى حد كبير.

هانز ليتن

السيد هانز ليتن Hans Litten هو محام شاب يهودى الديانة من مواليد بداية القرن العشرين.

وقد كان مؤمنا بالشيوعية يتبنى قضايا العمال ضد أصحاب الأعمال وينشر آراءه فى المجلات المتخصصة فى هذا الشأن.

ويهوديته هذه كانت بناءا على قرار شخصى منه عن إقتناع إذ أن والده اليهودى كان قد نحول إلى المسيحية مما جعل الإبن ينتقده بشدة ويتهمه بالإنتهازية لأنه كان يشغل إلى جانب عمادة كلية الحقوق فى مدينة كونيجسبرج الألمانية فى شرق بروسيا  (أصبحت الآن كالينجراد فى روسيا) منصب المستشار القانونى لحكومة هذه المقاطعة. 

وهو بهاتين الصفتين (الشيوعية واليهودية) قد تحول إلى عدو واضح للحركة القومية الإشتراكية التى يطلق عليها النازية فى نهايات العشرينات من القرن الماضى.

وفى عام 1930 وقعت أحداث شغب فى برلين بين المعسكرين المتصارعين على السلطة، النازيين والشيوعيين مما نتج عنه إصابات تستدعى تحقيقات للنيابة. وكان الطرف المهاجم هم النازيين إذ هجموا على محل يرتاده الشيوعيون مما أوقع إصابات فى صفوفهم وكان ليتن ذو السبع وعشرين عاما هو محام المصابين كمدعى فرعى إلى جانب النيابة التى هى المدعى الأصلى.

ونظرت الدعوى فى عام 1931 وكان أن طلب محام المصابين إستدعاء رئيس الحزب النازى أدولف هتلر للمثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته عن الوقائع. وعنما حضر هتلر إستجوبه ليتن كشاهد وسأله إن كان ما جرى من إعتداء على العمال يقع فى نطاق الأعمال الخارجة عن القانون.. ولكنها كانت مصيدة وقع فيها هتلر إذ إحمر وجهه وتعصب بشدة وتساءل عن جرأة المحام على الشعور القومى للبلاد وأن يصفه بالأعمال المعادية للقانون. وبالطبع حينما بدأ هتلر ينفعل تصور نفسه - تماما كما عهدنا كثيرا من المتعصبين الذين نعرفهم عندما ينفعلون - تصور نفسه على منصة الخطابة وأخذ يرفع عقيرته وينتقد الأحوال القانونية التى قد تفسرعلى أن الوطنية هى أعمال معادية للقانون.

وهنا تدخل المحام ليتن مشيرا إلى أدولف هتلر بيده أن يصمت وقال له: "المحكمة تستطيع سماع صوتك بوضوح، لماذا ترفع صوتك؟ نحن لسنا فى مؤتمر جماهيرى بل فى صالة محكمة"!! 

وأسقط فى يد هتلر ولم يحر جوابا وانتهت شهادته أمام المحكمة بطريقة مهينة لرجل يرأس حزبا ويسعى إلى السلطة وخرج حانقا على المحام ليتن أشد ما يكون الحنق.

وطبيعى أن إعتقال ليتن كان من أوائل الخطوات التى إتخذها هتلر بعد ذلك بعامين عندما وصل للحكم حتى قبل أن ينجح فى إصدار قانون التمكين الذى أعطاه سلطات مطلقة.

وظل المحام ليتن معتقلا لا يعرف أحد أين ولا يجرؤ أحد على التساؤل عن ظروفه إلى أن عرفت أسرته عام 1938 أنه قد فارق الحياة منتحرا فى معتقل داخاو بالقرب من ميونيخ بعد أن أصيب باكتئاب حاد نتيجة فقدان نظره وأسنانه فقام بشنق نفسه فى عمر الخامسة والثلاثين ليتخلص من العذاب..

 واليوم يقف فى مدخل محكمة جنايات وسط برلين والتى شهدت وقائع تلك المحاكمة والتى تقع فى  شارع أصبح يحمل إسمه، يقف تمثال نصفى لهانز ليتن للعبرة والتذكرة بما يمكن للفاشية أن تفعله فى المجتمعات التى تسمح بقيام الحكم فيها على أساس من تلك المدرسة المريضة فكرا وتطبيقا.

 

والسيد عبد الصمد غالبا لا يعرف أمثال هذه القصص وأرجح الظن أنه لم يقرأ تاريخ تلك الحركة جيدا حتى يستطيع التمييز بينها وبين ممارسات الرسول الذى يريد إلصاق تهمة الفاشية به.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

Trending Articles