Quantcast
Channel: Marefa.org blogs
Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

بيزنس التطرف

$
0
0

بيزنس التطرف

 

أظن أن هذا النشاط أصبح من أكبر القطاعات الاقتصادية في العالم الغربي وبالذات في الولايات المتحدة حيث أن حجم المال الذي يدور في هذا المجال هو حجم خرافي.

شبكات تليفزيونية وصحف ودور نشر وإذاعات وكتب منشورة ودراسات وندوات وتبرعات الخ...

 

في حملة عام 1964 كان المرشح الجمهوري باري جولدووتر يمثل الاتجاه اليميني المتطرف الذي يحمل جزءا ملحوظا من العنصرية. وبالطبع فإنه في أجواء حركة الحقوق المدنية للسود وفي إطار الحرب الباردة التي كان الانتصار فيها هو الهدف الاسمي والأكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الأمريكي قد تواري فكر التيار الرجعي العرقي المحافظ خلف أهمية لم الشمل في مواجهة خطر الحرب الباردة. 

إلا أنه في عهد نيكسون وكيسنجر جاءت سياسة الوفاق بما جاءت به من قيم ونتائج جديدة تجلت علي أشدها في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر حين تراجع الاتحاد السوفيتي عن إرسال قواته الي الشرق الأوسط، تلبية لدعوة الرئيس السادات للقوتين العظميين لإرسال قواتهما لمراقبة تنفيذ وقف القتال. وجاء هذا التراجع السريع عقب إعلان نيكسون حالة التأهب القصوى للقوات المسلحة الأمريكية في كل العالم بما فيها قاذفات القنابل النووية (لم تكن الصواريخ قد تطورت بعد كما هي اليوم). 

الذي يهمنا هو أن هذه الحادثة قد نبهت الأنظار المحافظة في الولايات المتحدة الي ان الاتحاد السوفيتي يعاني من خلل هيكلي داخل بنيته يجعله يتحاشي أي مواجهة مع الغرب.

ومن تلك النقطة بدأ المحافظون يركزون جهدهم علي إرهاق الاتحاد السوفيتي واستنزافه لأنهم تأكدوا انه لن يحارب. وجرت الأحداث كما جرت وكما عشناها وشهدها جيلنا الي ان تم النصر للغرب عام 1991 بانقضاء إمبراطورية الشر الي غير رجعة.

فماذا كان تأثير ذلك علي تيار المحافظة في داخل امريكا؟

 أظن أن أول بادرة من بوادر التعديل فى موقف التيار المحافظ داخل الولايات المتحدة كان فى التغير السريع فى النظر إلى السيد/ أوليفر نورث الذى كان يعمل فى البيت الأبيض وإستغل إتصاله بالرئيس ريجان لكى يتفق على صفقة تمويل ثوار الكونترا بأموال يحصل عليها من إيران لقاء سلاح تشتريه الأخيرة من أمريكا أو بموافقة أمريكية. وقد أثارت هذه القضية فى حينها عام 1985 زوبعة صحفية وتشريعية لأنه قد ثبت من خلالها أن إدارة الرئيس ريجان الذى بدأ عهده بالوعد والوعيد ضد حكم آية الله خمينى إن هم لم يفرجوا عن الرهائن فورا وقبل تنصيبه فى 20 يناير فجاء الإفراج بالفعل قبلها بساعات. وهذا الرئيس المستأسد يصل به الحال فى النهاية إلى عقد الصفقات الخفية مع نفس هذا النظام أولا لكى يمول نشاط جماعات الكونترا فى نيكاراجوا وثانيا كما قيل وقتها لكى يعمل على الإفراج عن رهائن أمريكيين محتجزين فى لبنان من قبل جماعات تأتمر بأمر إيران.

(ومن سخرية الأقدار أن من كان يرأس لجنة التحقيق مع نورث كان هو السناتور جون كيرى وزير الخارجية الحالى الذى عليه الآن بعد 25 عاما أن يدافع هو نفسه عن أعمال هيئة الأمن القومي فى مواجهة جميع دول العالم تقريبا وعلى الأخص فى مواجهة حلفاء الولايات المتحدة فى أوروبا على الأقل بسبب تورطها فى عمل مخابراتى آخر من نوعية أشد وطأة من عملية نورث !!).

 وانتهي الأمر بتقديمه للمحاكمة بعدة جنح ثبت منها ثلاثة فقط وذلك لأسباب إجرائية وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ. 

ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن الرأي العام أصبح يري في نورث بطلا قوميا، رغم أنه معترف بكذبه ومعترف أيضا بأنه اتلف عمدا مستندات لكي يخفي تورطه في أعمال غير قانونية.   

وبعد تحقيق النصر فى الحرب الباردة تنبهت شبكة فوكس نيوز التى تعد سفينة العلم فى حملة المحافظين الإعلامية عبر كل العالم، تنبهت فجأة إلى أن أوليفر نورث يصلح لكى يكون وجها قوميا كخبير إستراتيجى ومؤرخ  ومعلق وصاحب برامج له شعبيته. رغم أن أداءه العلنى فى جلسات الإستماع فى الكونجرس وفى أثناء محاكمته كشف عن مستوى متواضع من الثقافة ومن الذكاء والمعرفة حيث أنه ذو خلفية عسكرية من سلاح المارينز الذين ينفذون الأوامر بحذافيرها بلا تفكير.

والحقيقة أن المرء يندهش من قدرة المجتمع الأمريكى على تغيير وتعديل إتجاهه فى غاية السرعة.
فالرئيس نيكسون كذب أيضا وخادع الشعب كله أمام التليفزيون وخرق القواعد القانونية ولم ينجه من السجن سوى العفو الشامل الذى أصدره الرئيس التالى له جيرالد فورد كأول قرار له فى الحكم.

ومع ذلك فقد إستغرقت إعادة تأهيل نيكسون عقدا كاملا من الزمان بل وأكثر من ذلك كانت إعادة تأهيل غير مكتملة حيث ظل كثيرون معتقدين بأنه مجرم لا يمكن قبول توبته.

أما نورث فقد ترشح فى الإنتخابات التشريعية ولكنه هزم من منافسه الديموقراطى ولم يثر أحد مسألة ماضيه وما فعل من قبل.

والواضح أنه منذ نهاية الشيوعية بسقوط الإتحاد السوفيتى فى عام 1991 وحل حزب وارسو قبلها بعام فإن الوجه المحافظ فى أمريكا قد أصبح سافرا بطريقة لم تكن موجودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

فالسيد/ ريتشارد بيرل مساعد وزير الخارجية فى عهد جورج بوش الإبن ثبت عليه تقاضى رشاوى من إحدى شركات الإتصالات ومع ذلك لم يسمع أحد جزءا من ألف مما سمعه الناس عن فضيحة مونيكا لوينسكى مع الرئيس كلينتون قبل ذلك بعدة سنوات. رغم أن ما فعله كلينتون يقع فى باب الحياة الخاصة التى لا دخل لأحد بها سوى زوجته.

والسيد/ بول فولفوفيتز تم طرده من الإدارة وتعيينه رئيسا للبنك الدولى ومع ذلك فلم يكف عن ممارساته الغير قانونية إذ ثبت عليه ترسية أعمال على عشيقته ومنحها أموال طائلة بحكم وظيفته. ولم نسمع أى تشهير به كالذى سمعه الناس عن محل ميلاد أوباما وديانته، رغم أن هذين الأمرين أيضا لا دخل لأحد بهما.

واليوم تحول التيار المحافظ إلى تسونامى جارف فى الحياة الأمريكية وتحولت فوكس نيوز ومن يسير فى ركابها إلى رافد أساسى فى الإعلام الأمريكى وطالعتنا أشكال من نوعية سارة بيلن وآن كولتر  وغيرهما ممن يتربحون من هذا التيار إما سياسيا وإما ماليا.

 والواقع أن المرء لا يسعه سوى أن يتساءل عن صدق القائلين بهذه التظرات فى السياسة والإجتماع والقانون والتشريع.

فقد تولد لدى كثيرين - أنا واحد منهم بالطبع - أن هذه الأقوال والتصريحات ليس مقصودا منها التطبيق  الفعلى فى الحياة عن طريق التشريع والتنفيذ ولكن المقصود منها هو التربح المالى عن طريقة إثارة الزوابع وتقليب الخواطر.

وأكبر مثال على تلك الظاهرة هى الكاتبة والناشطة والقانونية والمتحمسة الدعائية آن كولتر من مدينة نيويورك. ولا يكاد المرء يراها فى أى لقاء إلا وفى يدها أحد كتبها تشرحه وتزيد توضيح أفكاره بالتفصيل الممل وهى تعطى المشاهد الإنطباع أن شراء الكتاب فى حد ذاته وتدفق المال فى خزنة دار النشر هو أهم من معرفة ما تنادى به أو ما يقول به الكتاب. وهى فى طريقة عرضها عدائية هجومية مستفزة باللفظ والصوت وتعبيرات الوجه بل وربما بحركات الجسم.

وقد وصفت الرئيس الأمريكى بالمتخلف فى تغعريدة لها على تويتر منذ عام أثناء الحملة الإنتخابية.

وقد صرحت فى لقاء قريب أنها تنصح يهود أمريكا باعتناق الدين المسيحى حتى "يكتمل إيمانهم"حيث أنهم قد توقفوا عند "العهد القديم"ولم يكملوا دينهم بالإيمان "بالعهد الجديد".

والفكرة ليست جديدة بل نحن المسلمون نعرفها جيدا جدا منذ عهود طويلة للغاية.
ولكن الجديد هو أن تطرح بهذه الجرأة الغير مألوفة فى الولايات المتحدة أو فى الغرب عموما فى ظل قوانين تعترف بل وتفرض إحترام حرية العقيدة.

 وعلى قدر ما يشعر المرء بالتقزز من الطريقة التى تعمل بها شبكات التليفزيون والصحف المحسوبة على هذا التيار، على قدر ما يتمادى أعضاؤه فى التوغل فى هذا الطريق الديماجوجى الذى يخاطب غرائز البقاء والحفاظ على النوع والتخوف من كل ما هو مختلف.

وهذا التيار متواجد أيضا فى أوروبا وله صحفه وله أحزابه، إلا أنه ليس متوغلا فى تطرفه الفكرى كمثيله الأمريكى. كما أن إرتباطه بالدين فى أوروبا أخف كثيرا جدا من إرتباط التيار الأمريكى بالدين.

فالتيار المحافظ المعادى للأجانب لا يقيم خطابه فى أوروبا على أساس كنسى أو إنجيلى أو حتى دينى، بل هو يحاجج دائما بالأسباب الإقتصادية كأكبر حجة ويدفع بنسبة ضئيلة بالأسباب القومية والحفاظ على الهوية الوطنية والخوف عليها من الذوبان. ولذلك الإختلاف أسبابه حيث أن دور الدين فى أوروبا قد حسم منذ وقت طويل ولم يعد متداخلا فى السياسة وأسس الحكم.
فلن يستطيع أحد فى ألمانيا مثلا أن يهاجم المستشار أو أحد الوزراء لأنه "مسلم متخف"كما فعل البعض مع أوباما من قبل. ولن يجرؤ أحد أن يقول أن المستشار أو أحد الوزراء لا يعرف القيم الأمريكية لأنه تربى خارج أمريكا، كما قال سونونو عن أوباما. فأنجيلا ميركل قضت 34 عاما من حياتها فى الطفولة والدراسة والشباب والعمل تحت نظام شيوعى لا علاقة له بالديموقراطية، ولم يأخذ عليها أحد ذلك.

ورئيس حزب الأحرار السابق وشريكها فى الحكم حتى سبتمبر الماضى كان أصله طفل فيتنامى تبنته عائلة روسلر الألمانية بعد نهاية حرب فيتنام وأعطته إسمها.

ونيقولا ساركوزى لم يولد على أرض فرنسا ولا هو فرنسى الوالدين ولكنه جاء إلى فرنسا طفلا صغيرا هاربا من الجيش السوفيتى الذى غزا المجر عام 1956 بسبب الثورة التى كان أبوه أحد زعمائها.

ولكن هذه الممارسات الأمريكية فى الإعلام وجدت وتجد لها حتى اليوم مثيلا عربيا بكل أسف.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

Trending Articles