Quantcast
Channel: Marefa.org blogs
Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

خللى السلاح صاحى، صاحى (4)

$
0
0

قاعدة هويلس الجوية التى بناها الإيطاليون أثناء إحتلالهم لليبيا تحت إسم الملاحة ظلت فى أيديهم حتى طردهم البريطانيون منها أثناء الحرب العالمية وظلت فى يد إنجليزية حتى بعد وقوع إستسلام ألمانيا فى 8 مايو 1945. ثم إنتقلت السيادة عليها للولايات المتحدة التى إستحوذت عليها بالكامل بعد أسبوع واحد من تحقيق النصر. وهذه القاعدة ظلت فى أيدى الأمريكيين حتى عام 1970 عندما أخلوها فى إحتفال إعتبره القذافى نصرا هائل الدوى وحضر الحفل جمال عبد الناصر شخصيا. 

وجاء ذلك الإنتقال من اليد البريطانية إلى اليد الأمريكية فى الغالب كنتيجة لإتفاقيات بين البلدين حصلت إنجلترا بمقتضاها على قروض أمريكية بلا فوائد أثناء الحرب فيما عرف بقانون الإقراض والتأجير Lend Lease Actالذى صدر عن الكونجرس قبل غارة بيرل هاربور بشهور عديدة. أى أن الولايات المتحدة كانت تعلم ماذا تفعل حتى من قبل دخولها الحرب. وكلمة Leaseتعنى الإنتفاع الطويل مقابل أجرة وهو ما يجعلنى أعتقد أن هذه القاعدة الجوية كانت محلا لتطبيق هذا القانون. بمعنى نحن نبرم الآن معكم الآن عقد إيجار لشىء لم تحصلوا عليه بعد وسوف تحاربون أنتم فى سبيل الحصول عليه ويموت جنودكم حتى تستطيعون تسليمه إلينا بصفة نهائية، ومقابل ذلك هانحن ندفع الأجرة مقدما..

ما هى هذه القدرة العاتية والغلبة التعاقدية؟ شىء يكاد يصل إلى إعجاز فى العلاقات الدولية.

ولا يوجد لدي تفسير لقبول بريطانيا بهذه الشروط سوى أنها كانت تحتاج بشدة إلى دخول الولايات المتحدة للحرب حتى تستطيع أن تغير توازن القوى الذى كان مائلا بشدة لصالح ألمانيا فى البداية، وبالتالى كانت مستعدة لقبول جميع الشروط حتى ماكان منها بالغا فى الإجحاف بمركزها.

والشىء الملحوظ هو أنه فى نفس هذا الوقت  بينما كان الرئيس الأمريكي يعد العدةلكي يتدخل بطريقة ما فى مسار الحرب إلى جانب إنجلترا فقط والكومنولث (لم تكن روسيا قد دخلت الحرب بعد) كان ستالين مخدوعا بالكامل من جانب هتلرإذ كان مطمئنا إلى الإتفاق الذى تم التوصل إليه بينهما بعدم الإعتداء قبل غزو بولندا بأسبوع واحد فى 24 أغسطس 1939.

إلى درجة أن ممثلا مخصوصا لألمانيا حضر إحتفالات عيد العمال فى الميدان الأحمر أول مايو 1941 واقفا إلى جانب ستالين، وهو تكريم رفيع، بصفته مندوب الرايخ الألمانى. ولهذا لم يصدق ستالين نفسه يوم أن غزت القوات الألمانية أراضى الإتحاد السوفيتى بجيش قوامه 3 مليون جندى بعد هذه المناسبة بسبعة أسابيع فقط يوم 22 يونيو !!!

وهذا هو فارق العقلية بين النظم الديموقراطيةالتى تنتقى رئيسها عبر عديد جدا من المرشحات والحواجز  وآليات الإستبعاد والإختيار الجيد، وبين النظم الدكتاتوريةالتى يتربع فيها السيد الأعلى على كرسى الحكم بأى طريقة من القتل أو الغدر أو الصدفة ثم يظل على هذا الكرسى حتى يموت.


بيد أن هناك موضوع فرعي إلا ان ذكره مرتبط بالسياق ارتباطا لا يمكن فصمه:
الذى لم أستطع تبينه بعد هو الكشف عن صاحب هذه الرؤية المتكاملة لدخول أمريكا الحرب والذى كان يضع هذه الشروط ويشرف على تنفيذها الدقيق سواء مع بريطانيا أو مع روسيا أو الصين أو حتى فيتنام التى كانت الولايات المتحدة تدعم فيها نظام الرئيس هوشي منه. ومن المؤكد أن الرئيس روزفلت كان يقف على رأس فريق من كبار الفاهمين للشئون الدولية بدليل توصله إلى جنى أكبر ثمار للحرب بالرغم من تكبده أقل الخسائر البشرية.

فالجنرال آيزنهاور كان يقدر أن المقاومة الألمانية سوف تكون أشرس ما يمكن حول برلين وداخلها ولذلك فضل الذهاب فى نزهة عسكرية إلى النمسا وتشيكوسلوفاكيا اللتين لم تكنا على أي قدر من الأهمية الستراتيجية وظل بعيدا بقواته عن برلين وترك العمل الثقيل القذر للروس لكي يقوموا به. ومع ذلك فقد نصت إتفاقيات يالتا التى عقدت فى فبراير 1945 أى قبل النصر بثلاث شهور فقط على أن يكون للغرب نصيب فى برلين عقب تحريرها، رغم أن الغرب لم يساهم فى هذا التحرير. 

أى عقلية نافذة تلك التى تقترح تلك الشروط ثم تقنع الروس بها؟

هل هو جيمس بيرنز؟ أم أنه الجنرال مارشال رئيس الأركان؟ أم هو برنارد باروخ؟

أم أنهم المساعدون الأقل درجة؟

لست أدرى ولم أجد مرجعا واحدا يشير إلى أشخاص هؤلاء سوى هنرى مورجنتاو الذى كان يريد إنزال أشد العقاب بألمانيا عن طريق تفكيك الصناعات بها وتهجير شبابها إلى خارج البلاد (ورد إسم تونس فى تلك الأوراق كوجهة إعادة توطين هؤلاء الألمان). لولا أن الرئيس روزفلت رفض هذا النهج حتى لا تتكرر حرب عالمية جديدة على غرار الحرب الثانية بسبب إهانة ألمانيا بطريقة توجب عليها إعادة القتال.. وهذه أيضا نظرة جديدة أتى بها روزفلت وثبت صدق تحليله فى شأنها. وهذا الموضوع بالذات لابد له من وقفة مستقلة لأنه يعبر تعبيرا شديدا عن الفكر الستراتيجى الأمريكى الذى إستقر منذ يومها وحتى وقتنا هذا، ولكنه خارج مجال هذه الملاحظات.

 

.
ثم كان أن جاء وقت إقتسام الغنائم. كان الإتحاد السوفيتى يرى أن تعويضات الحرب يجب أن تستوفى جميعا من ألمانيا بلا رحمة. وكان الجزء الذى يسيطر عليه الروس فى الشرق زراعى بطبيعته بينما كان الجزء الصناعى يقع فى الغرب الذى تسيطر عليه بريطانيا (منطقة الرور). وكانت فكرة القيادة السوفيتية هى تفكيك كل هذا الصرح الصناعى الضخم فى الغرب ونقله إلى الدول المنتصرة جزاءا عدلا عن قيام ألمانيا بإشعال الحرب ناهيك عن المعاملة اللاإنسانية التى كان الجيش الألمانى والأجهزة المعاونة يمارسونها داخل الأراضى السوفيتية. إلا أن الولايات المتحدة كان لها رأى مخالف كما أسلفت حيث أن إدارة الرئيس ترومان كانت تفضل الحل القائم على التكامل وليس الحل القائم على العقاب. وبالتالى رفض ترومان فى مؤتمر بوتسدام أن يعاقب الألمان عن طريق قذفهم إلى الخلف لمدة نصف قرن أو قرن كامل بتفكيك صناعاتهم وتجويعهم حيث أنه منذ بداية القرن العشرين كان أكثر من نصف سكان ألمانيا يعيشون فى المدن. وهى تركيبة جد مختلفة عن التركيبة الديموجرافية التى تعرفها أمريكا على أرضها. وبالتالى خشيت الولايات المتحدة من تكرار خطأ فرساى بعد الحرب الأولى وفرضت على الروس شطب مسألة التعويضات من جدول الأعمال. وانتهى الطرفان إلى أنه من حق روسيا أن تفعل فى القطاع الألمانى الواقع تحت سيطرتها ما تشاء. أى أن التعويضات الألمانية يدفعها فقط القطاع السوفيتى، ألمانيا الشرقية فيما بعد. وهذه النقطة بالذات تم إستعمالها كسلاح دعائى يعرض الفارق الكبير بين المنتصر الأوروبى الذى لا يرحم (فرنسا وإنجلترا فى فرساى 1919) والمنتصر الأمريكى صاحب القدر الأعلى من الإنسانية حامل لواء التسامح (الولايات المتحدة فى بوتسدام عام 1945).


Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

Trending Articles