Quantcast
Channel: Marefa.org blogs
Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

قناة السويس 7

$
0
0

وفى المرحلة التى تلت الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919 كانت إنجلترا هى المسئولة عن حماية الملاحة والحركة التجارية فى قناة السويس وذلك بناءا على شروط تصريح 28 فبراير 1922 وهو تصريح من جانب واحد أصدرته إنجلترا وحصلت مصر بمقتضاه على وضع الدولة ذات السيادة. إلا أن التحفظات الأربع التى وردت فى هذا التصريح كان من بينها ولعله أهمها تحفظ حول حماية وسائل المواصلات الإمبراطورية (يقصد بها بالطبع قناة السويس).

وقد إستثنت الزعامات المصرية موضوع القناة طوال الثلاثين عاما التالية من أى مفاوضات حيث أن هذه القيادات على إختلاف إنتماءاتها الحزبية كانت تعلم بشأن معاهدة القسطنطينية وأيضا تتفهم حرص فرنسا على الشركة الفرنسية (رغم تعاظم النصيب البريطانى فى أسهمها) وحرص العالم على عدم إثارة الموضوع لحساسيته لدى جميع الأطراف.

وفى معاهدة 1936 تم النص أيضا على أن الدفاع عن القناة هو مسئولية بريطانية وألزمت المعاهدة مصر بإنشاء الطرق اللازمة لهذه المهمة فأنشئت طرق سميت فى الموروث الشعبى طرق المعاهدة ومن بينها بل وأهمها كان طريق الإسماعيلية الصحراوى.

وفى الحرب العالمية إستماتت إنجلترا مرة أخرى فى الدفاع عن القناة حيث أن هدف الحملة الألمانية القادمة من الغرب كان الوصول بأى ثمن لقناة السويس والسيطرة عليها وقطع طريق الإمداد البريطانى من الهند وأستراليا.

وبتحقق نصر الحلفاء فى عام 1945 تحول مؤشر بوصلة القوة الدولية عن إنجلترا واستقر على الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت تريد أن ترث الإمبراطورية الهرمة بأسرع مما تقبل بريطانيا. وهكذا قررت بريطانيا الخروج من الهند وفقدت حجة المواصلات الإمبراطورية جدواها. كما أن الولايات المتحدة تختلف عن بريطانيا فى أن الأخيرة لا تتبنى نظرة إستعمارية تقليدية كالتى عرفتها ومارستها بريطانيا لأكثر من قرنين من الزمان بل كانت تريد التعامل مع "أمم حرة"حيث أنها خلعت على نفسها لقب "قيادة العالم الحر". وهكذا بدأت القبضة البريطانية على مصر وعلى القناة بالذات ترتعش وترتخى مما أشعل حركة مقاومة مصرية فى منطقة القناة إنتهت بحريق القاهرة عقب معركة الإسماعيلية فى اليوم السابق.

وفى أعقاب هزيمة عام 1948 فى حرب فلسطين ثار جدل حول أحقية إسرائيل فى عبور سفنها فى القناة بمقتضى أحكام إتفاقية القسطنطينية ولكن الحكومة المصرية أصدرت بيانا فى عام 1950 يحدد الإجراءات السيادية التى تحتفظ مصر بمقتضاها بحق منع السفن المعادية وتفتيش ما تراه ضروريا من السفن (عدا السفن الحربية نظرا لتمتعها بحماية أسرارها) وهذا البيان المصرى كان مبناه الفقرة العاشرة من الإتفاقية والذى حاربت بريطانيا من أجل أن يضاف لأحكامها. كذلك أصدر مجلس الأمن فى سبتمبر 1951 قرارا يدعو مصر إلى "رفع القيود المفروضة على مرور السفن التجارية فى قناة السويس وعلى مرور البضائع مهما تكن وجهتها"وذلك فى إشارة واضحة إلى إسرائيل. ولكن مصر إعتبرت أن البيان له دافع سياسى وأنها تمارس حقها القانونى بمقتضى تلك المادة العاشرة من إتفاقية القسطنطينية فأهملت قرار المجلس ولم تنفذه ولم تعبر السفن الإسرائيلية أو المؤجرة لصالح إسرائيل فى القناة.

كما أن إتفاقية الجلاء التى عقدت فى عام 1954 كان بها نص متكرر ومأخوذ من معاهدة 1936 يتناول الدفاع عن مصر وعن قناة السويس فى حالة قيام حالة دولية تستدعى ذلك. وبالفعل خرجت القوات البريطانية يوم 18 يونيو عام 1956 من كل مصر أو بالأحرى من منطقة القناة حيث أنها كانت قد خرجت قبل ذلك من سائر أنحاء الإقليم إلا منطقة القناة. وبعد أقل من 40 يوما من خروج البريطانيين وقعت واقعة جديدة هى تأميم القناة.

وفى عام 1956 عقب التأميم تحمست بريطانيا وفرنسا لفكرة "قافلة دولية"من مجموعة من السفن من عدة دول مختلفة تبحر إلى منطقة القناة وتعبرها بالقوة تعبيرا عن مصلحة حركة التجارة العالمية فى إستمرار فتحها وإدارتها بواسطة الشركة حيث أن الإدارة المصرية كانت محل شك فى قدرتها. وبالطبع لم ينفذ الإقتراح بسبب معارضة كل من أمريكا والإتحاد السوفيتى أيضا.

وفى أعقاب حرب 1956 أصدرت مصر على لسان خارجيتها بيانا فى أبريل 1957 يحدد طريقة التعامل مع تسوية نزاعات الدول بسبب العبور فقررت طريقتين من التعامل: أولا بين الدول الموقعة على إتفاقية القسطنطينية بمناسبة تفسيرها فتحال نزاعاتها إلى محكمة العدل الدولية وقد قبلت مصر ولاية المحكمة فى شأن هذه الخلافات. ثانيا الخلافات التى تقع بين دول ليست كلها أو بعضها أطراف فى إتفاقية القسطنطينية فتحل نزاعاتها طبقا لميثاق الأمم المتحدة والوسائل المشار إليها فى البابين السادس والسابع من هذا الميثاق. وهى حركة بارعة من مصر.

ومن هذا البيان الذى أبلغت به مصر الأمم المتحدة وطلبت إيداعه فى سكرتاريتها يتضح أن مصر قد ألزمت نفسها بنوعين من طرق تسوية المنازعات حول المرور فى قناة السويس:

1. قبول الولاية الجبرية لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالخلافات التى تنشأ بين أطراف معاهدة القسطنطينية لعام 1888 ويكون موضوعها تفسير نصوص هذه الإتفاقية أو تطبيقها.

2. قبول ميثاق الإمم المتحدة أساسا لتسوية المنازعات التى قد تنشأ بين دول ليست كلها أو بعضها من الموقعين على معاهدة القسطنطينية (إستنبول) لعام 1888 وفى شأن هذه الخلافات يطبق الميثاق بالوسائل المشار إليها فى البابين السادس والسابع منه.

وبما أن الولايات المتحدة لم تكن طرفا فيها فهذا يجعلنى أميل للإعتقاد أن تطبيق ميثاق الأمم المتحدة به بعض من حيز لحرية الحركة لأطرافه عما تتيحه محكمة العدل الدولية حيث أن الباب (الفصل) السابع قد يصل الأمر فيه إلى إستخدام القوة المسلحة لتنفيذه وذلك بناءا على قرار من مجلس الأمن والظاهر أن مصر عقب تجربتها فى حرب السويس أرادت أن يكون الأمريكيون الذين لم يكونوا طرفا فى المعاهدة أحرار اليد فى التصرف فى حال تهديد الملاحة من قبل الإنجليز أو الفرنسيين أو الروس وجميعهم من الموقعين بحيث تضمن أمريكا بطريقة خفية أن لها نفوذا رغم عدم كونها من الموقعين. وقد جاء هذا الإعلان فى عام 1957 أى فى الوقت الذى كانت فيه كل من فرنسا وانجلترا لا تزالان من المعارضين بعض الشىء للمجهود الأمريكى لوراثة إمبراطورياتهما عبر العالم وبيان ذلك حرب السويس نفسها التى خططت ونفذت دون علم أمريكا مما حدا بها إلى إجهاضها منذ اليوم الأول.. الغريب فى الأمر هو موقف الإتحاد السوفيتى الذى ورث روسيا والتى كانت طرفا موقعا للمعاهدة فقد أدخلت مصر لاعبا جديدا فى شأن القناة هو الولايات المتحدة الخصم اللدود للإتحاد السوفيتى (روسيا) عن طريق قبول ميثاق الأمم المتحدة أساس للتسوية بكل ما يحمله ذلك القبول من إحتمال إستخدام القوة (فى هذه الحالة كانت سوف تكون قوة أمريكية بالطبع) وهو ما يضعف موقف الروس..

أضف إلى ذلك أن مصر ورثت توقيع الدولة العثمانية مما يجعلها طرفا فى المعاهدة وبالتالى تكون فى مأمن من إستعمال الفصل السابع ضدها فى حالة الخلاف مع دولة من الموقعين (تحديدا إنجلترا أو فرنسا) حيث أن أحكام محكمة العدل الدولية ليس لها أنياب مثل قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت راية الفصل السابع.. والظاهر أن تفكير المصريين كان منصبا على محاولات مستقبلية فرنسية أو إنجليزية للإنتقام مما حدث لهما فى حملة السويس.. أما أمريكا فقد كانوا يأمنون شرها لأن تسليح إسرائيل فى تلك الفترة كان أوروبيا خالصا ولم تكن علاقات واشنطن مع تل أبيب قد وصلت بعد إلى ما وصلت إليه فى الستينات فى عهدى كيندى وجونسون ومن بعدهما...

ولكن إحقاقا للحق فإن السياسة المصرية فى ذلك الوقت لم يكن فى إمكانها الوصول لما هو أفضل من ذلك حماية للقناة وحقوق مصر فيها..

أى أن الصراع الذى تخوضه مصر من أجل إثبات سيادتها الكاملة الغير منقوصة على إقليم القناة أرضا ومياها هو صراع أساسه ضد المواد الشاذة التى جاءت بها إتفاقية القسطنطينية التى تحمل إسم عاصمة الخلافة التركية. ومن الواضح أن تركيا فى القرن الأخير من حياتها كانت قد ماتت بالفعل وما إستعمال إسم القسطنطينية فى معاهدة توقع عليها الدولة التى تعطى عاصمتها إسما مختلفا إلا إقرار بأن لا حول لها ولا قوة وهو ما ثبت بالنصوص والأحداث. ولهذا يبدو أن جيل أبى من أبناء مصر والذى كان يمثله عبد الناصر والسادات لم يكن متحمسا أبدا لموضوع الخلافة ولا الحكم التركى بل كانوا أكثر ميلا لحركة التجديد التى أتى بها أعضاء جمعية الإتحاد والترقى التى حكم أفرادها بعد ذلك وكان على رأسهم مصطفى كمال أتاتورك. ولكن لا يزال بعض من لا يعرفون فى بلادنا يحلمون بإعادة الخلافة التركية ويرونها علاجا ناجعا لأوجاعهم الناتجة عن عدم المعرفة.

وهذا يشرح لى موقف كثير من الآباء فى العقدين الأول والثانى من القرن العشرين حين كان المواليد الذكور يسمون بأسماء أعضاء حركة الإتحاد والترقى التركية فعرف المصريون أسماء كمال وجمال وعصمت وأنور وكلها أسماء أعضاء تلك الجمعية. وقد روى أنور السادات فى أحد أحاديثه مع همت مصطفى أنه قد نشأ فى منزل تعلق فيه صورة أتاتورك باعتباره بطلا أنقذ الدولة التركية من التحول للمسيحية من جديد (وهذه حقيقة تاريخية إذ أنه قاوم بالفعل خطة إقامة دولة يونانية مسيحية على أرض تركيا تكون عاصمتها القسطنطينية) وهذه الحركة هى سبب تسميته أنور كما أن أخاه الأكبر إسمه عصمت وزملاؤه فى مجلس الثورة هم جمال وجمال وكمال وجميعهم من مواليد تلك الفترة التى على مايبدو لم تكن شعبية الدولة العلية فيها لا جيدة ولا حتى متوسطة فى أوساط المصريين البسطاء. وأظن أن السبب هو تخاذل تلك الدولة فى شأن إحتلال مصر وعدم إرسال جيش يحررها من الإنجليز. كما أن معظم هؤلاء هم من مواليد فترة ما بعد عزل الخديو عباس حلمى الذى كان معروفا بميوله الشديدة تجاه تركيا فى الفترة التى كانت تركيا فيها قد هجرت حلف إنجلترا وإتجهت نحو التحالف الألمانى وذلك فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهو بالضبط سبب عزله مع الإبقاء على الأسرة العلوية الحاكمة وهو أيضا سبب حادث 4 فبراير الذى كاد أن يعزل الملك الشاب فاروق بسببه..

المهم لدينا هو أن إنجلترا بعد أن ضمنت قدرتها على السيطرة على الحركة الملاحية فى القناة من خلال إستعمال "حق الخديو"الذى ورد فى المادة العاشرة فى الإتفاقية منعت ألمانيا من المرور فى القناة و إستماتت فى الدفاع عن القناة خلال الحرب العالمية الأولى ولم تتوقف فيها الملاحة ولا يوم واحد ومنعت تركيا من إرسال جيوش لتحرير مصر من اليد البريطانية حيث أنها ألبت العرب ضد تركيا من ناحية وأرسلت جيشا مصريا إلى الشام لملاقاة جيش تركيا من الناحية الأخرى. واظن أن هذا هو السبب فى عدم إزاحة الأسرة العلوية عن الحكم.. والقناة كانت هى الشريان الذى تتدفق من خلاله دماء الحياة للجيش البريطانى قادمة بالجنود من المستودع البشرى فى الهند وكذلك من أستراليا التى كانت ولا تزال دولة كومنولث بريطانى. وكان الجنود الأستراليون هم من سقطوا فى معركة جاليبولى الرهيبة التى خسرتها القوات البريطانية ضد الجيش والأسطول التركى بقيادته الألمانية.

والآن نفتح موضوع المواصلات الإمبراطورية الذى تناوله تصريح 28 فبراير عام 1922 والذى حصلت مصر بمقتضاه على إستقلالها وأصبحت دولة ذات سيادة منقوصة بسبب التحفظات الأربعة التى كان من بينها تحفظ بريطانى على سلامة قناة السويس.

كما رأينا كانت الحكومة البريطانية مهتمة بأن تراكم حصصها فى ملكية أسهم القناة بدءا من شراء اسهم مصر من الخديو إسماعيل فى عام 1876 قبل عزله بثلاثة سنوات ثم بعد إحتلال مصر كانت مهتمة بزيادة هذه الحصة حتى وصلت إلى أكثر من 44% من الأسهم قبل التأميم مباشرة أى قبل إرجاع القناة إلى الأيدى المصرية بأحد عشر عاما فقط. وهذه النقطة بالذات تلقى ظلالا على حقيقة نية إنجلترا تجاه تنفيذ البند الخاص بعودة القناة إلى مصر عام 1968 حسب إتفاق الإلتزام أو الإمتياز الممنوح للشركة. إذ أنه من غير المستساغ أن تراكم الدولة البريطانية أوراق تملك فى شركة سوف تنتهى فى خلال عشرة أعوام وتؤول بالكامل إلى مصر، اللهم إلا إذا كانت تنوى دخول التحكيم المتفق عليه فى عام 1854 بمقتضى الإمتياز فى حالة عدم المقدرة على الإتفاق وديا. أى أن إنجلترا كانت تجهز نفسها على الأقل لنزاع قانونى مع مصر فى عام 1968 تتم تسويته بالتحكيم، وهو ما تتفوق فيه إنجلترا على مصر بالطبع.

إلا أن التأميم جاء أسرع من كل تلك الفروض. فإلى التأميم.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 231

Trending Articles